النظرية في الأنثربولوجيا بوصفها نموذجا للعلوم الانسانية Anthropology

الحجم
محتويات المقال

النظرية في الأنثربولوجيا

النظرية في الانتربولوجيا الانتربولوجية anthropology pdf books كتاب كتب
anthropology 

النظرية في الأنتروبولوجيا بوصفها نموذجا للعلوم الإنسانية

يمكن أن نعرف العلم ضمن النسق الابستيمولوجي أو الفلسفي الذي نشاء، ولكن من الواضح أن العلم يقوم أولا في ملاحظة ما حدث من أجل توقع ما سوف يحدث.
إذا أخذنا العلم بهذا المعنى فلا ريب في أن كل سلوك عقلي لدى الإنسان كان منذ البداية مشربا بالروح والممارسة العلميتين، أي منذ اللحظة التي انخرط فيها الانسان في مغامرة إبداع الثقافة وتأسيسها وإكمالها .. 
(...)
.. إننا نلاحظ في كل مكان استخراج العوامل الواقعية والحاسمة لسيرورة معطاة... [وذلك بواسطة] الملاحظة والتجريب اللذين يؤسسان عودة العوامل الدائمة، وهذا التحقق الاختباري الدائم، يتعلق، مثله مثل السمة الأصلية للنظرية والتجربة العلمية، بماهية العلم ذاتها، فعندما تخطئ النظرية، يتعين البحث عن مكمن الخطأ فيها، ومن ثم لابد أن تكون التجربة والمبادئ موضوعا لتهجين دائم ومستمر، ولا يبدأ العلم إلا عندما يكون على المبادئ العامة أن تجابه امتحان الوقائع، وعندما تفيد المشاكل العملية والعلاقات النظرية بين العوامل الحاسمة، في التحكم في الواقع خلال الفعل المباشر، إن التعريف الأدنى للعلم، يقتضي إذن وجود قوانين عامة، وحقلا للتجريب أو الملاحظة، وأخيرا انمحاء الخطاب المجرد أمام التطبيق العملي .
 هنا يمكن للأنتربولوجيا أن تثبت قيمة مزاعمها، فقد كان على هذا العلم، لأسباب عديدة، أن يتوجه نحو موضوع يشكل بؤرة للعلوم الإنسانية، وهو الثقافة، ومن حسنات الأنتروبولوجيا الحديثة بوجه خاص، أن باحثيها يقومون بالبحث الأثنوغرافي في الميدان، أي أنهم يقومون بعمل أمبريقي. لقد كانت الأنتروبولوجيا أول العلوم الإنسانية التي أقامت مختبرها بالقرب من مستودع أدواتها النظرية. يدرس الأنتروبولوجي ظواهر الثقافة تحت جميع الأضواء الممكنة، وضمن شروط بيئية وعرقية وسيكولوجية مختلفة كل الاختلاف. إن عليه أن يكون في آن واحد، ملاحظا محنكا، ومنظرا كبيرا للثقافة ... وأن نلاحظ هو أن نختار، ونصنف، ونعزل تبعا لنظرية معينة، وإعداد نظرية ما هو تلخيص لما هو حاسم في ملاحظة سابقة وانتظار المصادقة أو التكذيب التجريبي للمسائل النظرية التي تطرحها النظرية (...)
 وهكذا يمكن القول إذن إن السبيل العلمي إلى دراسة الإنسان هو، على وجه التحديد، ما تنتظره علوم الإنسان بأجمعها من الأنتروبولوجيا اليوم وغدا. نحن بحاجة إلى نظرية للثقافة: تحديد سيرورتها ومنتوجاتها، وحتمياتها الخاصة، وصلاتها بالمعطيات الأولية للسيكولوجيا والفيزيولوجيا البشريتين، نظرية حول تأثير البيئة أو المحيط في المجتمع، حقا إن الأنثروبولوجي لا يحتكر ذلك. ولكن له كلمته في الموضوع، وسوف يكون ندا عنيدا للمؤرخين والباحثين الميدانيين، وعلماء الاجتماع وعلماء النفس، والمتخصصين في مختلف الأنشطة القانونية والاقتصاية أو التربوية.
 ..لا ريب أننا، في الأزمة الراهنة لحضارتنا، قد ارتقينا إلى ذرى مدوخة في العلوم النظرية الخالصة والتطبيقية في ميدان الميكانيكا والكيمياء، وفي نظرية المادة، والصناعة الميكانيكية. ولكننا لا نشعر بالثقة ولا بالاحترام أمام نتائج العلوم الإنسانية، بل لا نعتقد في صلاحية النظريات الاجتماعية. ولابد، في الوقت الحاضر، من إقامة توازن بين الهينه المفرطة لعلوم الطبيعة وتطبيقاتها من جهة، ومن الإجهاد الذي يعاني منه العلم الاجتماعي، وعجز الميكانيكا الاجتماعية، من جهة أخرى... إن على علم الاجتماع أن يتزود هو أيضا بالذكاء الذي عرف كيف يستولي على أسرار الميكانيكا. سوف تتدخل، دائما، في العلوم الإنسانية عوامل أخلاقية وفنية وعاطفية. غير أن ماهية المبادئ الأخلاقية تستلزم إقامتها على أساس متين، وهذا لا يمكن إلا إذا كان المبدأ [النظري] أقرب إلى الواقع بحيث يصير ضروريا للعاطفة والشعور.
 وإن ألححت كثيرا على التعريف الأدنى للعلم، فذلك لأن القيام، في حقل جديد للبحث مثل حقل الثقافة، باستعارة مناهج أمتن أساسا وأطول تاريخا، فيه خطورة كبيرة. فاستخدام المقارنات العضوية واستخدام الاستعارات الميكانيكية، والاعتقاد بأن الترقيم والقياس، كافيان للفصل بين العلم والخطب الفصيحة، [هو اعتقاد خاطي]. إن هذه الخيوط التي تشد بها العلوم الإنسانية إلى العلوم الدقيقة... قد أضرتها أكثر مما نفعتها. ومن المعلوم، كما جاء في تعريفنا الأدنى للعلم، أن على كل علم أولا، أن يتعرف على موضوعه ويختصه لنفسه كموضوع مشروع. كما عليه أن يضع على عاتقه مهمة تعيين وعزل السمات والخصائص الحاسمة لسيرورات هذا الموضوع، بواسطة مناهج ملائمة. إن الأمر يتعلق بإعداد قوانين عامة، ومفاهيم مجردة تعكسها، ويترتب على ذلك أن كل مبدأ نظري، ينبغي أن يترجم إلى منهج للملاحظة، وينبغي، بعكس ذلك، في الملاحظة، الاحترام الأمين لتوجيهات التحليل المفاهيمي، وأخيرا فإن الدروس التي تستخلص من المشاكل الملموسة، التي تتعلق على نحو مشروع كل المشروعية بالأنتروبولوجيا (السياسة الاستعمارية، عمل البعثات التبشيرية، صعوبة الاتصال الثقافي المباشر، تناسخ الثقافات)، تشكل تصحيحا دائما للنظريات [الأنتروبولوجية] العامة.
__________________
(*) برونسلاو مالينوفسكي، نظرية علمية في الثقافة، ماسيير، بوان، 1968، ص.ص. 13-14، ترجمة بيير كلينكار.
google-playkhamsatmostaqltradent