Physical theory
![]() |
النظرية الفيزيائية |
ما النظرية الفيزيائية؟
إن اعتبار النظرية الفيزيائية كتفسير افتراضى للواقع المادي يترتب عنه جعل هذه النظرية تابعة للميتافيزيقا، وبذلك فعوضا عن إعطائها شكلا تقبله مجموعة كبيرة من المفكرين، فإننا نجعل القبول مقتصرا على أولئك الذين يعترفون بالفلسفة التي تدعي هذه النظرية الفيزيائية الانتماء إليها (...)ألا يمكننا أن نعين للنظرية الفيزيائية موضوعا تصبح بمقتضاه مستقلة [عن كل ميتافيزيقا ] ؟ (...)
ألا يمكننا، لبناء نظرية فيزيائية، إيجاد منهج مكتف بذاته ؟ (...)
إن النظرية الفيزيائية ليست تفسيرا . إنها نسق من القضايا الرياضية المستنبطة من عدد قليل من المبادئ، غايتها أن تمثل تماما وببساطة، وبصورة صحيحة، ما أمكن ذلك، مجموعة من القوانين التجريبية.
ولتدقيق هذا التعريف نقوم بتحديد خصائص العمليات المتتالية الأربع التي تكون النظرية الفزيائية :
الخاصية الأولى
من بين الخصائص الفيزيائية التي نقترح عرضها، نختار تلك التي ننظر إليها كخصائص بسيطة، والتي من المفروض أن تكون الخصائص الأخرى عبارة عن تجميعات أو تركيبات لها. وسنقابلها، وذلك باستعمال طرق قياس ملائمة، بما يناسبها من رموز رياضية، وأعداد، ومقادير. هذه الرموز الرياضية ليست لها أية علاقة طبيعية مع الخصائص التي تمثلها، وإنما لها معها علاقة دال بمدلول، وبواسطة طرق القياس يمكننا أن نقابل كل حالة فيزيائية بقيمة للرمز الممثل لها والعكس بالعكس.الخاصية الثانية
نربط بين مختلف أنواع المقادير التي أدخلت هكذا بواسطة عدد قليل من القضايا تسختدم كمبادئ لاستنباطاتها، هذه المبادئ يمكن تسميتها فرضيات، بالمعنى الأصلي للكلمة، لأنها في الحقيقة أسس سيقوم عليها بناء النظرية؛ لكنها لا تدعي بأي حال من الأحوال التعبير عن العلاقات الحقيقية بين الخصائص الواقعية للأجسام. هذه القضايا يمكن إذن أن توضع بطريقة اعتباطية. والحاجز الوحيد الذي لا يمكن تخطيه مطلقا هو التناقض المنطقي إما بين حدود نفس الفرضية، وإما بين مختلف فرضيات نفس النظرية.الخاصية الثالثة
إن مختلف مبادئ وفرضيات نظرية ما تتركب فيما بينها حسب قواعد التحليل الرياضي، وخلال هذه العملية لا يكون العالم الفيزيائي مطالبا إلا بإرضاء مقتضيات المنطق الجبري، إن المقادير التي تقع عليها حسابات العالم الفيزيائي المذكور لا تدعي بتاتا أنها وقائع فزيائية، والمبادئ التي يستند إليها في استنباطاته لا يمكن أخذها على أنها تعبير عن علاقات حقيقية بين هذه الوقائع؛ فغير مهم إذن أن تكون العمليات التي ينجزها تتناسب أولا تتناسب مع التغييرات الفزيائية الواقعية (...).الخاصية الرابعة
إن مختلف النتائج التي استخرجناها هكذا من الفرضيات يمكن ترجمتها إلى ما يناسبها من أحكام تتعلق بالخصائص الفزيائية للأجسام؛ والمناهج الخاصة بتعريف وقياس هذه الخصائص الفيزيائية تكون بمثابة اللغة أو المفتاح الذي يسمح بتلك الترجمة، هذه الأحكام نقارنها مع القوانين التجريبية التي تروم النظرية تمثيلها، فإذا توافقت الأحكام مع القوانين تكون النظرية قد أصابت هدفها وأثبتت صلاحيتها، وإلا كانت غير صالحة ومن ثم وجب تعديلها أو رفضها.وهكذا فالنظرية الصحيحة ليست تلك التي تعطي عن المظاهر الفيزيائية تفسيرا مطابقا للواقع، بل النظرية الصحيحة هي التي تعبر بطريقة مرضية عن مجموعة من القوانين التجريبية. والنظرية الفاسدة ليست محاولة تفسيرية معتمدة على فرضيات مناقضة للواقع، بل هي عبارة عن مجموعة قضايا لا تتوافق مع القوانين التجريبية.
إن الاتفاق مع التجربة يشكل بالنسبة للنظرية الفيزيائية المعيار الوحيد للحقيقة.
إن التعريف الذي قمنا بعرضه بصفة مجملة يميز في النظرية الفيزيائية أربع عمليات أساسية.
- تعريف المقادير الفيزيائية وقياسها.
- اختيار الفرضيات
- الاستنتاجات الرياضية من النظرية
- مقارنة النظرية بالتجربة
_________________
(*) بيير دوهيم «النظرية الفيزيائية موضوعها وبنياتها». منشورات ريڨيير (1914) ص23. (النص مقتطف من مقرر الفلسفة الفكر الاسلامي والفلسفة الصادر عام 1996).