في مفهوم السعادة notion of happiness

الحجم

notion of happiness

السعادة happy happinese happiness
Happiness

من دلالات المفهوم إلى الطرح الإشكالي

يختلف الناس في تمثلهم للسعادة بين من يقصرها على حسن العيش من حياة رفيهة وامتلاك للأموال والثروات وتلبية كاملة للرغبات وتحقيق للمتعة في شتى أشكالها، ومن يقصرها على حسن السيرة من حياة كريمة ومعتدلة ومنسجمة، هكذا يتحدث عن أسرة سعيدة متى حصل بين أعضائها التفاهم والإنسجام وجمعهم الحب والتعاون، وكأن سعادة الفرد تستلزم سعادة الجماعة التي ينتمي إليها، وقد نجد هذا الإختلاف لدى الفرد الواحد الذي قد يرى السعادة في الصحة إن كان مريضا وفي المال إن كان معوزا وفي الصداقة إن كان وحيدا..
يظهر إذن أن التمثل الإجتماعي للسعادة يهيمن عليه المعنى المادي الذي يقترن بما هو إرضاء حسي صرف مما يستلزم التساؤل عما إذا كان العنصر المادي ضروريا وكافيا لتحصيل السعادة؟
جاء في لسان العرب، سعد، السعد، بمعنى اليمن، وسعد سعدا وسعادة فهو سعيد، وسعد بالضم فهومسعود وهو نقيض النحس والشقاوة. ويُشتق من نفس الجذر ثلاثة ألفاظ تشترك في نفس المعنى وهي: الساعد والسعدان والسعد.
فلفظ الساعد يدل أولا على ساعد الإنسان أو الطير أو القبيلة: فساعدا الإنسان ذراعاه وساعدا الطائر جناحاه وساعد القبيلة رئيسها.
ويدل ثانيا على مجرى المياه، فسعيد المزرعة انهرها الذي يسقيها ويدل ثالثا وأخيرا على «مخرج» اللبن في الناقة وعلى عروق في ضرعها يجيء منها اللبن...
أما لفظ السعدان فيدل على نبات ذي شوك من أطيب مراعي الإبل ما دام رطبا، وأما لفظ السعد فيدل على الطيب ذي الرائحة الزكية.
إن ما يمكن استنتاجه من هاته الدلالات هو من جهة أولى اقتران السعادة بالإرضاء والإرتواء: فالنهر الذي يسقي المزرعة يرويها. ولبن الناقة يروى ويشبع صغيرها ومنبت شوك النخل يشبع جوع الإبل، والطيب يشبع النفس برائحته العطرة. ومن جهة ثانية اقتران السعادة بتوفر العضو الذي يدبر الجسد، فالساعدها هنا هو الضروري لتحقيق الوجود الطبيعي والأفضل للموجودات (فعل الإنسان - طيران الطائر - تماسك القبيلة).
ومن هنا يكتسب اليمن (الخير) دلالتين:
الأولى تشير إلى ما هومادي محسوس وتتمثل في الإرضاء والإشباع والثانية تشير إلى ماهو عقلي وتتمثل في التدبير: فعمدة القبيلة وساعدها هو رئيسها وعقلها المدبر لشؤونها والميسر لها نحو ما هو أفضل لها، ولا يمكن في هذا السياق تصور سعادة بدون تعاون واجتماع.
وإذا كانت السعادة تقابل الشقاء، فإنها كمفهوم فلسفي تتأسس على جملة من التقابلات: (فضيلة/رذيلة)، (عدالة/ظلم)، (خير/شر)، جميل/قبيح)، (دائم/مؤقت) (تفاؤل/تشاؤم) إلى غير ذلك من التقابلات الأمر الذي يعكس الغني والإمتداد الكبيرين لهذا المفهوم.
يتضح من كل ما سبق، أن التعريف القاموسي قد وسع من دلالة السعادة بشكل جعلها تنفتح على عنصر لا مادي، من طبيعة عقلية واجتماعية وسياسية تتعلق بالتفكير والتدبير، وكأن الأمر مجرد توازن بين عناصر مادية وأخرى لا مادية، مما يقتضي تدقيقا أكثر لهاته الدلالة.
تتحدد السعادة من الوجهة الفلسفية العامة كحالة إرضاء [إشباع وارتياح] تام للذات يتسم بالقوة والثبات ويتميز عن اللذة للحظيتها وعن الفرح الحركيته». فكيف تتحدد طبيعة هذا الإرضاء، أهو مادي أم عقلي أم وجداني؟ وإلى أي حد يمكن فصله عن الفرحة واللذة؟ أليس كل ما شأنه أن يسعد الإنسان يمتعه ويفرحه، أم قد تحضر السعادة بتغييب اللذة والفرح وإقصائهما؟
يبدو، أن مفهوم السعادة تتداخل فيه دلالات متباينة وتتقاطع فيه حقول مختلفة بيولوجية وسيكولوجية وميتافيزيقية واجتماعية وسياسية، وأنه يتاخم مجموعة من المفاهيم الفلسفية الأساسية مثل الخير والفضيلة والعدالة والعقل والجمال والوجود..
ويبدو أيضا، أن المساءلة الفلسفية لهذه الإستنتاجات تتحدد عبر مستويين:
  1. مستوى كيفي يتعلق بالطبيعة النظرية والماهوية للسعادة: هل هي مادية ترتبط بكل ما يحقق الإرضاء المادي من ملذات وامتلاك للخيرات والصحة والنفوذ..، أم أنها عقلية ترتبط بكل ما يحقق اللذة العقلية من معرفة وعلم..؟ أم أنها تتجاوز هذا وذاك لترتبط باللذة الروحية والوجدانية مع ما يرتبط بهما من طمأنينة واكتفاء ومحبة وشوق وذوق وعشق؟ ثم هل السعادة لحظية وآنية أم دائمة ومستمرة؟
  2. المستوى الثاني كمي يتعلق بالطبيعة العملية والعلائقية للسعادة : هل هي وليدة الظرفية والصدفة والإتفاق أم تتويج للسعي والمثابرة والمجهود والمواظبة؟ وهل السعادة ممكنة في الأرض، في دنيا الناس أم أنها مستحيلة لا تتحقق إلا في العالم الآخر؟ وهل من الممكن قيام سعادة فردية في غياب سعادة الجماعة أم أنه من الضروري تلازمهما؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات محكومة بتصور الحكمة، ولهذا الاعتبار اهتم الفلاسفة عموما بمسألة السعادة فجعلوا منها أحد مراكز نظرياتهم وتتويجا لأنساقهم، واهتم بها الفلاسفة المسلمون الارتباطها بالإضافة إلى ما سبق - بمقاصد الشريعة الإسلامية الداعية إلى الخير والفضيلة والصلاح..
فكيف تصور الفلاسفة المسلمون السعادة ؟
التالي
تعديل
author-img
Pets Queen
google-playkhamsatmostaqltradent