السينما وتعليمية الفلسفة

الحجم

السينما وتعليمية الفلسفة

السينما وتعليمية الفلسفة ديداكتيك الفلسفة pdf

مدخل

يُعتبر موضوع الفلسفة والسينما من أهم الدراسات التي عرفها الفكر المعاصر، بحيث تتناول عدة مفاهيم وقضايا تعيد النظر في الفكر الفلسفي. وقد شَكَّلَتْ هذه الدراسات الميدان الجديد للبحث الفلسفي في صورته المعاصرة، خصوصاً مع فلاسفة القرن العشرين. ولابد من التذكير أنَّ ولوج الفلسفة لعالم السينما ليس بغريب مادامت السينما فن استطيقي، والاستطيقا من المباحث الكبرى التي قامت عليها الأنساق الفلسفية خصوصا في الفترة المعاصرة. لذلك، تبلورت لدى مجموعة من الفلاسفة المعاصرون  كهنري برغسون، جيل دولوز، ستانلي كافيل، وآخرون،.. فكرة الربط بين الفلسفة والسينما، بحيث كانت طموحاتهم تأسيس فلسفة للسينما تساهم في إبداع مجموعة من المفاهيم والنظريات الجديدة. فالاشتراك بين الفلسفة والسينما، يمكن أن يخلق ثورة وبناءً دقيقاً للمناهج والأساليب المعرفية والتربوية.
إنًّ لقاء الفلسفة والسينما يَتَمَثَّلُ في كونهما يفكران معاً ويضعان تَصَّوُراً للعالم والذوات والموضوعات،.. وهذا  ما يجعل من العلاقة بينهما ذات الارتباط الوثيق رغم ما تطرح هذه (العلاقة) من مفارقات وتساؤلات حول مدى التباعد أو التقارب بين عالم الفلسفة وعالم والسينما.
يفتح لقاء الفلسفة والسينما آفاقاً غير مألوفة للفكر المعاصر من خلال لقاء المفهوم الفلسفي مع الصورة السينمائية، ويَتَمَثَّلُ لقاؤهما في كونهما يفكران معاً ويضعان تَصَّوُراً لقضايا الوجود. فالفلسفة والسينما ميدانان تتفاعل فيهما مجموعة من الصور والمفاهيم، وبما أنَّ السينما فن يفكر بالصور فمن الضروري أن تستفيد الفلسفة منها لكي تحقق أهدافها المستقبلية.
بين الفلسفة بوصفها صناعة للمفاهيم والسينما كعلم للصور علاقة إبداع، فالأولى تفكر في السينما مفهومياً، والثانية تعبر عن المفهوم من خلال الصورة. هذه العلاقة تعتبر في الحقيقة ضرباً من ضروب الفلسفة أو لربما تَمثُّلٌ للفلسفة ذاتها، لأنَّ السينمائي يفكر على طريقة الفيلسوف ويجسد أفكاره من خلال عرض الصور المتحركة في الفيلم، فالصورة الفيلمية تعتمد وسائل وتقنيات تهم الفلسفة، أي تشكل دافعاً للتفلسف بطرق جديدة، إنها أدوات للتفكير الفلسفي، ومن هذا المنظور  تكون السينما حليفاً مميزاً للتفلسف.
بإمكان الفلسفة أن تضمن لنفسها جديداً ذا معقولية من خلال التفكير في السينما باعتبارها فكر منفتح باستمرار، لأنَّ السينما تُعَدُّ الأساس لأهم التجديدات التي يمكن للفلسفة أن تراهن عليها. فإذا قبلنا أن نسمي كل تفكير في السينما وكل تأسيس لنظرية حول السينما ب(فلسفة السينما) فإنَّ دولوز يرى أنَّ السينما هي التي تمنحنا التفكير وتحدث فينا الصدمة فمثلاً الصورة - الحركة تجبرنا دائماً على التفكير وتدفعنا إليه، ومن هنا فالسينما ذاتها فلسفة وممارسة  للفكر المعبر عنه بالصورة ولا يختلف عن الكتابة.
إنَّ وجود تيمات فلسفية في السينما أمر طبيعي بالقياس إلى الطريقة التي يشتغل بها الفكر السينمائي والمواقف التي ينفتح عليها بقوة التعبير دون التقيد بالمناهج، فالسينما غدت أقرب إلى الفلسفة من حيث المفاهيم والنظريات والأفكار التي تتناولها الأفلام. ونحن نعلم أنَّ السينما أو كل مُؤَسِّسٍ لها كان أمام ضرورة محاورة المفاهيم الفلسفية التي كان تفكيرها يشغل الموضوع الذي تهتم به السينما، لذلك كان من الضروري أن تجادل الفلسفة ما تحتويه السينما من موضوعات ومفاهيم ذات تجذر فلسفي من حيث طبيعتها وخصوصيتها. أما من حيث المنهج فانفتاح الفلسفة على السينما لا يعني بالضرورة إخضاع هذه الاخيرة لمناهج فلسفية، لأنَّ ذلك بحال من الأحوال قد يفقد السينما هويتها الجمالية، وإنما انفتاح يجعل من الفن السابع وسيلة للتفكير تحاول الفلسفة عبرها قدر الإمكان تجاوز الأفق الضيق للمفاهيم والنظريات والبحث في الممكن والمحتمل.
يفيد فتح النشاط السينمائي على الفلسفة هذه الأخيرة في تجديد عدتها المفهومية، خاصة وأنَّ علاقة الإنسان بالعالم أصبحت بوساطة الصورة. لذلك، تجر السينما الفلسفة إلى مناطق غير مفكر فيها، لأنَّ التفكير السينمائي منفتح بقوة على اللامفكر فيه، حيث تصنع (السينما) عالماً مشابهاً لعالمنا، ومهمتها الأساس هي إزالة الحجاب عن العالم الحقيقي والولوج لحقل الممكنات، فمع السينما يتسع حقل الممكنات التي تسمح للفلسفة بأن تقطن في مناطق غير معتادة عليها.
هكذا تكمن علاقة الفلسفة والسينما من خلال الصورة التي تؤطرها السينما وتتحكم فيها، هذا الامساك هو امساك بالعالم وبأبعاده الزمكانية، وبإمكان الفلسفة في هذه الحالة أن تفكر في السينما، فالخصائص مشتركة بينهما بمعنى من المعانى، فإذا كانت مهمة الفلسفة تجاوز أفق الشكوكية والبحث في الطرق الممكنة للتغلب عليها، فإنه بإمكان الفيلم السينمائي أن يساعد الفلسفة في هذه المهمة. لذللك، فالفلسفة في حاجة لإدراك الأفلام كَتَصَّوُرَات أنطولوجية قائمة بذاتها.
إنَّ السينما بشكل من الأشكال يمكن أن تساهم بطريقة أصيلة في  تطور الفلسفة، بفضل استخداماتها التقنية ووسائلها السمعية البصرية، وعلى المرء أن يدرك أنَّ السينما قد تحدث التحول في الروح الفلسفية، والسينما نفسها موجودة بحال من الأحوال في حالة فلسفية. لذلك، فالفيلم ذات خصوصية فلسفية لأنه يصنع الفلسفة ويهدف إلى إعادة توجيه ما ذكرته الفلسفة، فعندما تقول الفلسفة العالم فالسينما تعيد تركيبه.
فالفيلم يُعَلِّمُ التفكير الفلسفي ويُحدثُ ثورة في المفاهيم، إنه بمعنى من المعاني، مَصدَرٌ من مصادر المعرفة ومُساعدٌ للفلسفة، فّاذا كانت الفلسفة تناقش الكثير من القضايا التي تتعلق بالوجود والإنسان وتبحث في فوضى الحقيقة، فإنَّ السينما تشارك الفلسفة هذا الاهتمام وتحاورها وتسلط  الضوء على نقاط تغفلها الفلسفة ذاتها، فدورها كالفلسفة إثارة وطرح تساؤلات تفتح مجالات واسعة للتفكير.
التالي
تعديل
author-img
Pets Queen
google-playkhamsatmostaqltradent