تاريخ الفلسفة و العلم تقديم منهجي | عبد االمجيد باعكريم

الحجم

تاريخ الفلسفة و العلم تقديم منهجي | عبد المجيد باعكريم

تاريخ الفلسفة تاريخ العلوم الابستمولوجيا باعكريم
تاريخ الفلسفة و العلم

تقديم منهجي


لا تشكل الأفكار (مفاهيم، قضايا، مناهج..) علما، إذا تعلق الأمر بالأفكار العلمية، أو فلسفة، إذا كانت فلسفية، إلا إذا انتظمت ضمن نظرية. والنظرية، مقاربة غير مباشرة للواقع (المادي أو الفكري) تروم الكشف عن حقيقته. والبحث عن الحقيقة، عملية تخضع لمقاييس وضوابط، تقتضي وضع تصورات وفرضيات حول هذا الواقع، عبر عقد جملة من الإشكالات، تنهض النظرية بتقصي الحلول لها، ومن خلال بناء شبكة من الأسئلة، تقوم بتقديم الأجوبة عليها. هذه الإشكالات والأسئلة صادرة بطبيعتها عن المتطلبات الداخلية للنظرية، ومستوحاة من منطقها الناظم ويمثل هذا المنطق النواة المحركة لتطور النظرية، وفي نفس الآن، أحد أسباب تجاوزها -في حالة عجزها عن الوفاء بمطلب المعقولية العامة- صوب نظرية بديلة أعم وأشمل، وأقدر على تقديم تأويل منسجم للمعطيات القائمة. هذا التجاوز هو بمثابة سيرورة، تتم عبر صراع قد يطول أو يقصر -من دون أن يتوقف تماما- بحسب قوة أو ضعف الأسباب النظرية، والعوامل غير النظرية المحيطة بالمنظومة المنسحبة وبالمنظومة الحادثة، وذلك وفق مبدأ البقاء للأحق، أو بالأحرى مبدأ الأقرب إلى الحقيقة.
والمشترط أن تجمع النظرية الجديدة، أكبر كم ممكن من الحصائل الفكرية الخالصة، غير المتجانسة والمتباعدة ما أمكن، في نسق متسق المعمار، ومستنبطة أجزاؤه من مبدأ أو زمرة من المبادئ المحدودة، بمقتضى قواعد منطقية صارمة، ناهيك عن قدرة النظرية الجديدة، على احتضان واستيعاب الوافد من المعارف المستجدة والظواهر المرتقبة، مع إمكانية استدعاء معارف أخرى مجهولة، عبر الكشف القبلي والتنبؤ النظري المحض. يتم ذلك وفق أفق بعيد المدى، وهو الاستغناء عن الواقع الحقيقي والاكتفاء بالواقع النظري الرياضي، واقع أكثر بساطة ووضوحا واقتصادا ذهنيا. وبقدر ما نطلب من النظرية الفلسفية أو العلمية الجديدة إيجاد حلول لإشكالات قديمة، تسمح للنظر باستئناف مسيرته، كذلك، نطلب منها خلق مشكلات جديدة، تستدعي لحلها، هي الأخرى، نظرية أقوى، وهكذا دواليك.
 تلك هي قوانين الفكر النظري ومنطق تاريخه، الذي لا يخضع لأي ضرورة سوى ضرورات النسق الداخلية.

 فما المقصود بالنسق النظري؟


النسق النظري هو مجموعة أفكار (نظريات، إشكاليات، قضايا، مناهج، قيم علمية وفلسفية..) تشكل جسما منسجما تنظمه مبادئ وفرضيات، بعضها معلن وأخر مضمر، تتغير بتغير طوبولوجيا القضايا والإشكالات المطروحة في حقبة معينة من تاريخ المنظومة بمقتضى قوانين داخلية صرف، حيث ينهض المكونان العلمي والفلسفي -لاشتغالهما في حقل الحقيقة والاكتشاف- المصدر الأساس الإنتاج المعارف النظرية والقيم الفكرية.
 ويستند مفهوم النسق النظري إلى مبادئ رئيسة، نذكر منها ثلاثة التالية:
التالي
تعديل
author-img
Pets Queen
google-playkhamsatmostaqltradent